أسماء مهينة..


لقد عانيت كثيرا خلال دراستي في المملكة المغربية من عدم تفهم الطلبة لاسمي الذي اختاره أهلي، حيث أن اسم (سيدي) يحمل معنى التسييد عندهم هناك، فكل من أرادو احترامه وتفخيمه قدموا كلمة: سيدي على اسمه فيقولون مثلا: في حق الملك محمد السادس سيدي محمد السادس، ويختصرونها بقولهم سي محمد السادس. ومن أظرف المواقف التي حدثت معي أن أحد الإخوة الليبيين كان يدرس معي فرفض مناداتي باسم سيدي قائلا أنت لست سيدا لي ولن أناديك أبدا بهذا الاسم، فأعطني اسما آخر أناديك به.
وكان بعض المغاربة ينادونني سيِّد بدون إضافة تجنبا للمعني المعهود لديهم.
حينها أدركت أن كلام ابن قتيبة يتنزل على حالتي هذه، حيث قال في كتاب الشعر والشعراء: " وقد يقدح في الحسن قبح اسمه، كما ينفع القبيح حسن اسمه، ويزيد في مهانة الرجل فظاعة اسمه، وترد عدالة الرجل بكنيته ولقبه. ولذلك قيل: اشفعوا بالكنى، فإنها شبهةٌ".
تلك المعاناة التي سببها لي اسمي كانت تذكرني دائما بعدم مبالاة مجتمعنا الموريتاني قرونا كثيرة باختيار الاسم الحسن الذي جعله الله حقا من حقوق المولود على والده، ففي مجتمعنا تصك مسمعك يوميا عشرات الأسماء المطلسمة، أو ذات الدلالة القبيحة، أو الساذجة، من قبيل: لشياخ، اتعاكيب، منين، مندح، رمَّه، ودو، مامَّ، لمات، كبوحه، ييَّ، آده، اقلاهم، بتُّ،  بالنسبة للنساء، والبو، لبات، ، ديداه، التاه، بُمَّ، عبدي، حمَّ، باباه، الماين، ممادي، بالنسبة للرجال، إلى غير ذلك من الأسماء المفزعة.
وليت من اختاروا لأبنائهم عند الولادة أسماء حسنة التزموا بها، غير شيطان الأسماء الفظيعة يمنعهم فيعمدون إلى " محمد" الذي هو أحسن الأسماء فيدخلون عليه عشرات التصحيفات التي تسلب معناه الرائق، فيقولون: محمدِن، محمدَن، محمذن، محمَّدُّ، امْحمد، مدعين أن خير الأسماء ما عبِّد وحمِّد، فبالله عليكم أي تحميد هذا الذي يجلعك تصحف اسم أفضل البشر، وأي تعبيد ذلك الذي يجعلك تسمي ابنك عبدي، أو اعبيدي.
ويصحفون عليا بقولهم: اعل، وعالي، واعليَّ، وعليٍّ.
وخديجة بقولهم: اخديجه، وخداجه، واخويديجه، وخدجة.
إلى غير ذلك من التصحيفات السخيفة.
عجبا! كأن القوم لم يطلعوا على ما روى الإمام مالك في موطئه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ مُرَّةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ حَرْبٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اسْمُكَ فَقَالَ يَعِيشُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلُبْ.
يعلق ابن القيم على هذا الحديث في كتابه "تحفة المودود بأحكام المولود" قائلا: "وقد كان النبي يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه جدا من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال حتى إنه مر في مسير له بين جبلين فسأل عن اسمهما فقيل له: فاضح ومخز فعدل عنهما ولم يمر بينهما وكان شديد الاعتناء بذلك، ومن تأمل السنة وجد معاني في الأسماء مرتبطة بها حتى كأن معانيها مأخوذة منها وكأن الأسماء مشتقة من معانيها فتأمل قوله: "أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وعصية عصت الله"، وقوله: "لما جاء سهيل بن عمرو يوم الصلح سهل أمركم".
ومع ذلك فإن الكثيرين منا لا يفرقون بين الكنية واللقب، فالكنية هي الاسم المصدر بأب أو أم، أما اللقب فهو الاسم الذي يحتوي على مدح أو ذم قال أحدهم:
وكنية في لفظها أب أم** ولقب يمدح طورا ويذب.
وقد قال ابن القيم رحمه الله: " قل أن ترى اسما قبيحا إلا وهو على مسمى قبيح كما قيل:
وقل ما أبصرت عيناك ذا لقب ** إلا ومعناه إن فكرت في لقبه".
وقال: " التكنية نوع تكثير وتفخيم للمكنى وإكرام له كما قال:
أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسوأة اللقب"
وفي الأخير فإني أنادي بما نادى به الأستاذ أحمد فال ولد الدين في مقاله "الأسماء المنكرة" حيث قال:
"أتمنى أن تخرج الحكومة قائمة أسماء لا يسجل مولود خرج عنها شريطة أن يستشار أهل الذوق واللغة وإلا ستتضاعف الطامة. كما أتمنى معاقبة كل من يعطي ولده اسما منكرا، وأن يدفع الأبوان فدية إذا ما اختارا اسما فظيعا لولدهما".

سيدي ولد أعمر
السابق
السابق